بعد أزمة ارتفاع أسعار الطاقة، وما صاحبها من غلاء وارتفاع لنسب التضخم، أعلنت دول أوروبية دخولها مرحلة الجفاف وبدأت مناطق في فرض قيود على استخدام المياه، ماذا ينتظر الأوروبيين؟
موجة غلاء مقبلة أكثر قسوة !
تواجه أوروبا موجة غير مسبوقة من غلاء الأسعار هي الأسوأ منذ عقود طويلة، مما أدى إلى تسجيل معدلات تضخم خطيرة أرهقت القدرة الشرائية للأوروبيين وأدخلت الملايين منهم تحت عتبة الفقر.
وأدت تلك الأزمة إلى تصاعد توقعات التضخم، ففي ماي الماضي، توقعت المفوضية الأوروبية أن يصل التضخم في منطقة اليورو إلى 6.1 بالمئة خلال العام 2022، قبل أن ينخفض إلى 2.7 بالمئة في 2023، قبل أن تُعدّل تلك التوقعات لتصبح 7.6 بالمئة و4 بالمئة على التوالي.
وبحسب تقارير إعلامية لا تزال المخاوف مستمرة من موجة غلاء مقبلة أكثر قسوة مما هيّ عليه الآن في أوروبا، بعدما أظهرت الإحصاءات أن التضخم سجل معدلًا قياسيًا بلغ 8.6 بالمئة في منطقة اليورو في جوان الماضي.
وحسب المؤسسة الوطنية للإحصاء البريطانية، فإن هذا التضخم تجلى في ارتفاع 3 مكونات أساسية، هي الأكل والوقود وفاتورة الطاقة.
الأوروبيون مخيّرون بين شراء الأكل أو دفع فاتورة الغاز؟
تظهر أرقام مكتب “يورو ستات” للإحصائيات التابع للمفوضية الأوروبية أن 35 مليون مواطن أوروبي لم يعودوا قادرين على دفع فاتورة التدفئة في منازلهم، وأن هؤلاء بات عليهم الاختيار بين شراء الأكل أو دفع فاتورة الغاز، وتظهر الأرقام نفسها أن ربع السكان في دولة مثل بلغاريا باتوا غير قادرين على توفير التدفئة لمنازلهم.
وبسبب موجة الغلاء هذه فإن 15 مليون أوروبي يستفيدون من بنك الأغذية التابع لصندوق المساعدات الأوروبية، وهو رقم لم يتم تسجيله منذ أكثر من عقدين.
وتظهر أرقام المفوضية الأوروبية أن هذا الوضع ساهم في زيادة أعداد الأوروبيين المهددين بالنزول تحت خط الفقر، ففي بلغاريا بلغت نسبة الفقر 11.5%، وهي أعلى نسبة مسجلة في الاتحاد الأوروبي، وفي اليونان بلغت هذه النسبة 10%، مما يعني أن مليون يوناني تقريبا يعانون من الفقر.
الفقر يصل ألمانيا
أما في الدول الغنية مثل ألمانيا، فإن حوالي 2,4 مليون ألماني يعيشون تحت خط الفقر، وفي فرنسا يعيش مليون ونصف المليون تحت خط الفقر، أما المهددون بالنزول تحت هذا الخط فيتجاوز عددهم 3 ملايين فرنسي، أما في إيطاليا فيعاني 3 ملايين مواطن من الفقر، ومثل هذا العدد بات أيضا مهددا بالنزول تحت عتبة الفقر.
ارتفاع أسعار الطاقة المنزلية بنسبة 40 بالمائة بأوروبا
وارتفعت أسعار الطاقة المنزلية في الاتحاد الأوروبي بنسبة 40 بالمائة تقريبا في أفريل الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وهي زيادة أكبر من أي زيادة في عام واحد منذ السبعينات.
وأعلنت بريطانيا عن الارتفاع الرابع على التوالي في سعر الفائدة الرئيسي، وسط توقعات بتعرّض الاقتصاد البريطاني للركود خلال العام المقبل.
وترجع تلك التوقعات إلى أسعار الطاقة التي ارتفعت بنسبة 54 بالمائة في أفريل.
شح حاد في المياه بأكثر من مئة بلدة بفرنسا
تعاني عشرات البلدات الفرنسية من شح حاد في مياه الشرب من جراء جفاف وصفه وزير الانتقال البيئي في فرنسا كريستوف بيشو أمس الجمعة بـ”التاريخي”، مضيفا “كل الرهان يتمثل في تشديد بعض القيود”.
“أكثر من مئة بلدة في فرنسا لم يعد لديها حاليا ماء للشرب” هذا ما أدلى به وزير الانتقال البيئي في فرنسا كريستوف بيشو الجمعة خلال زيارة له إلى جنوب شرق البلاد، واصفا الجفاف الذي تشهده البلاد على غرار دول أوروبية أُخرى بـ”التاريخي”.
وأكد الوزير أن في غالبية المناطق التي تشكو نقصا في ماء الشرب “تتم عمليات التزود من خلال شاحنات نقل الماء… بما أنه لم يعد هناك شيء في القنوات”…”كل الرهان يتمثل في تشديد بعض القيود”.
تابع أيضا موجة جفاف
للتذكير، تخضع في فرنسا 93 منطقة من أصل 96 لقيود تخص استهلاك الماء بدرجات متفاوتة، بينما تمر 62 منطقة “بأزمة”.
وكانت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن قد فعّلت صباح الجمعة خلية أزمة وزارية للنظر في “الوضع التاريخي الذي يمر به عدد كبير من المناطق”.
وفي شهر جويلية الماضي تم تسجيل ثاني أعلى نسبة جفاف في فرنسا بعد تلك التي سُجلت شهر مارس من العام 1961، وقد ترافق ذلك مع تراجع سقوط الأمطار بـ84% مقارنة بالمعدلات العادية في الفترة الممتدة ما بين 1991 و2020.
وعلى غرار فرنسا، تشهد دول في الاتحاد الأوروبي موجة حر وجفاف استثنائية.
من جهتها أعلنت السلطات الهولندية الأربعاء حال “النقص الشديد للماء”، ونبهت إلى أن هناك إجراءات جديدة قد يتم تفعيلها.
ومن المتوقع أن تشتد موجات الجفاف ويزداد شح المياه مستقبلا، وفق ما أفادت المفوضية الأوروبية التي حثت الدول الأعضاء على تعلّم طرق إعادة استخدام المياه المعالجة.
بريطانيا تعلن حالة الجفاف وتطالب بترشيد استهلاك المياه
أعلنت الحكومة البريطانية، أمس الجمعة، انتقال عدد من مناطق المملكة إلى حالة الجفاف بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة تساقط الأمطار.
وكانت المجموعة الوطنية للجفاف التابعة لوكالة البيئة البريطانية قد حذرت من تواصل سيطرة الجفاف على أجزاء من جنوب ووسط وشرق المملكة بعد فترة طويلة من الطقس الحار والجاف.
وستفرض الحكومة البريطانية، إثر الإعلان عن حالة الجفاف، قيودا على الاستخدام التجاري للمياه في المناطق المتضررة.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن وكالة البيئة قولها إنه “لا توجد إشارات قوية على تحسن كبير في ظروف الجفاف الحالية”.
وجاء هذا الإعلان بعد أن شهدت المملكة المتحدة موجة حرارة جديدة هذا الشهر، بعد موجة أولى شديدة سجلتها في جويلية الماضي حينما تخطت الحرارة فيها حاجز الـ40 بالمائة لأول مرة في تاريخها.
اضطرابات اجتماعية على الأبواب
ارتفاع أسعار الطاقة، الغلاء، التضخم،… مشاكل الجفاف وما سينجر عنه من قيود في استخدام المياه، كلها عوامل تنبئ بشتاء أسود بأوروبا، في حين تسجل مخاوف من اندلاع اضطرابات اجتماعية في مختلف الدول الأوروبية.
وهناك خشية متزايدة من احتمال وقوع احتجاجات عنيفة في الشتاء في ألمانيا أمام توقع استمرار ارتفاع أسعار مواد الطاقة، حيث تقول تقارير إعلامية أن كل شيء يمكن أن يصبح أغلى بكثير في ألمانيا الكهرباء والغاز والنفط… رغم تطمينات الحكومة إلا أن الوضع ينبئ بالانفجار.