قرر أن يبدع ولكن ليس داخل حلقة واحدة مغلقة، وأن يطور من موهبته والوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة وعالمية، مثًل وأخرج مسرحيات رائعة، اختار أن يصاحب الكتاب حتى يجمع تجارب من سبقوه، ويغير واقعه ببصمته الخاصة وبألوانه الإبداعية.
جريدة “الجالية الجزائرية” اقتربت من “أمير فريك” لتسليط الضوء على هذه الموهبة الجزائرية، التي أبدعت في الغربة وشرًفت الجزائر في الصين.
(الجزء الأول)
كيف يقدم الدكتور “أمير فريك” نفسه للقراء ؟
“أمير فريك ” مخرج باحث و مكون مسرحي جزائري ثلاثيني العمر، يمارس المسرح منذ 18 سنة تقريبا ، خريج الأكاديمية المركزية للدراما” بيجين” بالصين، دكتوراه دولية في النظريات و التطبيقات الأدائية في تاريخ الدراما ، تخصص : مسرحة الممارسات الأنثروبولوجية و الأشكال ما قبل المسرحية المنسيّة .
إنسانياً “أمير” يؤمن أن الحياة اختيارات و أن ما نعيشه اليوم هو اختيار الأمس و ما سنبنيه غداً سينبع من اختيارات اليوم ، بالرغم من أنه انحدر من بيئة بسيطة إلا أنه يختار الطريق الأصعب دائما ، انطلاقا من اختيار التمثيل كمهنة في البدايات ، إلى الاستمرارية و التميزّ في الدراسة و اختيار مجال البحث العلمي و الإخراج المسرحي التجريبي، و الذي قد يرتقي إلى التنظير و التفرد بالنتائج في ما بعد.
حالياً أمارس مهنتي كأستاذ محاضر مدعو من قبل منظمات و جامعات دولية عديد ة ، آخرها كانت دعوة تشريفية من قسم الدراسات الآسيوية والإفريقية بجامعة إيتش أس إي ـ سانت بيترسبرغ – و التي تعتبر واحدة من أفضل خمس جامعات في روسيا ، كما أنتج و أخرج مشاريعي و عروضي الخاصة تحت إشراف حركة فنية تسمى “ميايم” أو الحركة الفنية الدولية ميف .. MIAIM -Mif Art International Movment” /
وجدت منشورا لك في منصات التواصل الاجتماعي يقول “سيحدث التغيير يوم تحمل في يدك كتابا وتشتري تذكرة مسرح وتؤمن أن الغد أفضل” . فيما ساعدك الكتاب على دراساتك المسرحية ؟
الكتاب هو ملخص خبرات و تجارب حياتية و إنسانية منسوخة على شكل خطوط و كلمات، وهو قيمة ترمز للاستطلاع و التدبر أو التفكير في أمور الحياة الكثيرة من زوايا و وجهات نظر مختلفة .
مبدئي في الحث على القراءة سواء في المجال الفني ، المسرحي أو العلمي بصفة عامة ليس فقط مرتبط بالبحث عن المعلومة، الذوق أو اللغة الجميلة ، بل هو لاكتشاف المعاني و الصورالموجودة خلف الكلمات من خلال التنقيب عن تفاصيل الحياة التي صنعت فكر الكاتب.
فالمسرحي سواء كان مُخرج ، ناقداً أو ممثلاً لا بد عليه أن يتعامل مع الكتاب أولاً قبل الصعود إلى الخشبة ، و ذلك من خلال تشريح النص المسرحي أو الكتب العلمية البحثية بطريقة تحليلية و ليس فقط بهدف القراءة.
“التكوين خطوة ضرورية للاستمرارية”
بالرغم أن بداياتي كمسرحي كانت تطبيقية على الركح من خلال ممارسة فن التمثيل ، إلا أنني اكتشفت مبكراً أن التكوين خطوة ضرورية و مهمة للاستمرارية في هذا المجال .
حينها قررت التعرف على منهج و تجارب رائد المسرح الحديث الروسي “كونستانتين ستانيسلافسكي” ، في عالم التمثيل والإخراج من خلال كتبه و أبحاثه أيضاً ، و كذلك الإبحار في المقالات العلمية و التاريخية ،و مخلّفات انتقالها من روسيا إلى أمريكا و بقية وجهات العالم، و بطبيعة الحال تغيرت نظرتي لهذا المجال كلياً و صار تعاملي مع كتب البحث العلمي في المجال الفني و الدراسات المسرحية في ما بعد، على أساس أنها تجارب إنسانية قد تحمل الكثير من القيمة ،و قد تحتمل الخطأ أو تتقبل وجهات نظر أخرى ، و من هذا المنطلق انتقلت إلى مرحلة الدراسة المسرحية العلمية إضافة للممارسة و التجريب.
الحضارة الصينية القديمة يمكن وصفها بأنها حضارة مبدعة لأنها اهتمت بمختلف ألوان الفنون ومن بينها فن المسرح… هل وجدت صعوبة بانتقالك من المسرح الجزائري إلى المسرح الصيني ؟
الحضارة الصينية تعد من أقدم الحضارات المتواصلة دون انقطاع في العالم، حتى ما قبل سلالة “هان” و سلالة “تانغ” إلى عصر الانفتاح في القرن التاسع عشر ، لذلك يَكمن السر في التأقلم و فهم طبيعة الشعوب أولاً قبل الاندماج أو الانحلال في منظومة أو نسق فني معين، في دراسة تاريخ تلك المنطقة و التعرف على عاداتها و تقاليدها، و تحليل طبع المجتمع المنتمي إليه،أكيد من البديهي أن تكون هناك صعوبات من جميع النواحي رغم أنني تخطيت أغلبها تقريباً بعد كل هذه السنوات.
أما بالنسبة لممارسة المسرحية، أنا لا أؤمن بوجود تركيبة خاصة تدعى مسرح جزائري أو مسرح صيني أو أو .. لأن الممارسة المسرحية لا تقبل الحصر في الانتماء العرقي أو الجغرافي، فهي ممارسة إنسانية بالدرجة الأولى، قبل الحديث عن اختلافات لغوية أو عرقية أو أيديولوجية.
من المواقف الطريفة في التجربة الصينية، أنني قمت بأداء شخصية في الشهر الأول فور وصولي إلى الصين سنة 2010 ، كانت قطعة تمثيلية من عروض “بيجين” أوبرا ، ورغم عدم إتقان اللغة وقتها وصعوبة التواصل حتى مع مخرجة العمل، إلا أنني استمتعت بالتجربة و كانت النتائج جد إيجابية ، لتتوالى بعدها التجارب بين التمثيل و الكوتشينغ إلى الإخراج.
ماهي أهم الفروقات بين المسرح العربي عامة و المسرح الغربي حسب رأيك ؟
بدايةً علينا التطرق إلى الموضوع بصورة شاملة ، علمياً و فكرياً المسرح الغربي يقابله أو يوازيه المسرح الشرقي ، و بطبيعة الحال عندما نقول شرق أو غرب نعني الخط الوهمي، الذي يفصل منطقة عن منطقة أخرى جغرافياً أو حسب موقعها بالنسبة إلى الشمس رمزياً،
و هذا من وجهة نظر المفكر “إدوارد سعيد”، رغم أنني مقتنع بما قدمه مئة بالمئة في أغلبية أبحاثه حول الشرق.
للتخصيص أكثر من خلال التجربة المسرحية في المنطقة الشرقية، لابد من تقسيمها إلى أقصى و أوسط و جنوب، إضافةً إلى تجارب بلدان شمال إفريقيا ، لذلك فتصنيف مسرح عربي هو منحصر فقط باللغة بالنسبة لي، و الأجدر تسميته مسرح ناطق بالعربية أو منتج من قبل جهة أو بلد عربي .
و رجوعاً للفروقات ، فهي ظاهرة و بارزة بشكل صارخ، وأولها التجربة المسرحية الغربية هي تجربة استمرارية تراكمية، ذات جذور و تاريخ و هوية و الأهم أنها لازالت تتجدد و تتطور إلى أيام المعاصرة، و كذلك هي تجربة تتأقلم و تتوافق مع متطلبات الظرف الزماني و المكاني .
أما عن نظيرتها الناطقة بالعربية أو المنتمية إلى جهة إنتاجية عربية، و أشير هنا إلى التجارب التي في الواجهة و ليس كلها أي أن التصنيف ليس عام اً طبعاً، لأن الأمر نسبي دائماً.
“أغلبية المسرحيات العربية مقلدة ومنسلخة عن هويتها”
للأسف أغلبية تجارب العالم العربي للمسرحية هي تجارب مقلدة منسلخة عن هويتها، وتكمن المفارقة أن العديد من التجارب الغربية خاصة المعاصرة منها، تستند وتعتمد على الاستشراق أو عوالم الشرق كمرجعية، لأنها غنية بالمادة الابداعية ويتم ذلك دون تهجين أو فقدان الهوية الغربية، بينما التجربة الشرقية المعاصرة فهي تحاول الإغتراب والمسايرة للإرضاء الذوق الغربي، لذلك بالنسبة لي التجربة المسرحية في بلدان العالم العربي فاقدة للهوية نوعا ما فلا غربية و لا عربية.
يتبع الجزء الثاني
حاورته من الجزائر كوثر لعلى