تتجدد المشاركة الجزائرية في الملتقى الدولي لأبحاث تاريخ الفن 2020، ممثلة بالباحث والمخرج المسرحي أمير فريك والذي ينطمه قسم العلاقات الدولية في جامعة نانجين للفنون بالصين – تحت شعار “الحوار الفني والتواصل عبر الحضارات”،أين تطرق الدكتور فريك في مداخلته العلمية إلى مشروع “إعادة تشكيل المظاهر الإحتفالية في شمال إفريقيا على خطى البيجين أوبرآ” في موضوع شامل يصف التحولات الشكلية في عروض الأداء: من الشكل الـ “ما قبل مسرحي” إلى “ما بعد الحديث”،بهذاالخصوص أجرت “الجاليةالجزائرية”لقاءا مع الباحث.
حاورته فريدة تشامقجي
كيف كانت أجواء الملتقى وما هو الهدف من إقامته سنوياً؟
الملتقى عبارة عن ندوة دولية لأبحاث تاريخ الفن في طبعته الثانية،وكانت إنطلاقته في شهر أكتوبر من السنة الماضية، تحت شعار “الحوار الفني والتواصل عبر الحضارات” 2020. حيث تمت إستضافة العديد من الباحثين والمشاركين من أقطار عديدة من العالم على غرار: الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، منغوليا، الجزائر، روسيا، أستراليا، الفيتنام، سريلانكا وباكستان .. وخلافاً للسنة الماضية ونتيجة عن الظروف الخاصة التي يمرّ بها العالم بسبب إنتشار الوباء تجسدت العديد من المشاركات عبر برنامج الإتصال “Voov”، وفي حقيقة الأمر كانت التجربة جد إيجابية، رغم وجود تحدي مشكل الفوارق الزمنية بين مختلف الدول المشاركة، إلا أن الحدث صنع مشهد ناجح يعكس الصمود والوحدة ورفع التحدي في وجه الظروف الراهنة، عن طريق الإستمرارية والعطاء في مجالات البحث العلمي الفني. أما عن الهدف من إقامة الملتقى الدولي سنوياً، فهو واضح من خلال المعاني التي يشير لها العنوان والشعار المرافق، وهو عرض مختلف التجارب الفنية ذات الخلفيات التقليدية والباحثة عن الأصيل وتقديمها للعالم في شكل حوار فني يقرب بين الحضارات.
أين تكمن أهمية البحث العلمي في مجال المسرح؟
تكمن أهمية البحث العلمي المسرحي، في ترسيخ وتدوين المناهج التطبيقية التي تضمن إستمرارية الإبداع وتجديد الصورة الأدائية العامة، وذلك بإتخاذ المرجع العلمي كسند يؤرخ لتجارب سابقة ويفرض الإستمرارية بالإنطلاق أين إنتهى الأخرون، لولا تجارب الباحثين والمبدعين المدونة على الكتب والمنشورة في شكل مقالات على المجلات العلمية، لتكررت تجارب ستانسلافسكي أو مايرهولد أو غروتوفسكي كل ثلاثين سنة بتجدد الأجيال، لأن ذاكرة الإنسان الضعيفة تدعوه دائماً إلى تكرار ما سبق تحت سيطرة وهم الإبتكار الجديد. بإختصار، الحضارة التي لا تدون تاريخها ونتائجها العلمية في صورة أبحاث وكتب وأرشيفات محفوظة، تُنسى وتندثر وكأنها لم تكن ..
ماذا يضيف الباحث المسرحي أمير فريك إلى المخرج المسرحي فيك؟
يضيف الكثير طبعاً، لولا الباحث لما إستمر المخرج في الخلق والإبداع والتجدد. في الحقيقة هي تركيبة تكاملية موجودة من ستانسلافسكي إلى بيتر بروك، مروراً بعديد الشخصيات أمثال إدوارد كريج، أدولف آبيا وغيرهم من الأسماء الكثيرة التي جمعت بين صفة الباحث والمخرج مع إلزامية خضوع المخرج لسلطة الباحث فيه. في نظري، المخرج الذي لا يواكب عصره ولا يشارك في إثراء البحث العلمي العالمي قصد دعم طرح ما أو الخوض في تطوير فكرة أدائية أو شكلية محل نقاش عالمي آني، هو مخرج محدود لا يرتقي إلى مستوى المخرج الحقيقي بصفاته العالمية لأنه سيبقى محصور في خانة “صُناع الفودفيل” أو عروض الترفيه الشعبية التي تتعمد التركيز وإبراز ميولات الأغلبية وإتباع أذواق جمهور العوام.
ماذا ستضيف نتائج بحثك حول “إعادة تشكيل المظاهر الإحتفالية” إلى الحركة المسرحية الجزائرية؟
أعتقد أن الأصح هو “ماذا سيضيف البحث للحركة المسرحية بصفة عامة، لا الجزائرية كحصر”، لأنني مقتنع أن ممارسة المسرح مرتبطة بالمفهوم الإنساني الموسع وليس بالمفهوم المحلي الضيق. البحث بإختصار يدعم نظرة الشرق في تقديم مسرح قريب من الهوية الشرقية ولكن بلمسة كونية دعماً للخطاب الإنساني دون تسبيق أو تسويق للأيديولوجيات. سواءً شئنا أم أبينا فنموذج المسرح الغربي اليوم هو السائد عالمياً، ولم تنجح إلا بعض من دول الشرق الأقصى في فرض أشكالها المسرحية على العالم. لذلك فالبحث عبارة عن دعوة صريحة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتوظيف تراثها وأشكالها المنسية في صناعة مسرح يشبهها قصد الإستقلالية والإنسلاخ عن القالب الغربي. في الحقيقة هو المشروع الحلم بالنسبة لي ولن أهدأ حتى يرى النور في مكان ما من العالم.
ما هي تفاصيل المشروع الحلم الذي يتطلب منك الخوض في مجال البحث العلمي والمشاركة في الملتقيات الدولية؟
قوانين البحث العلمي تفرض على الباحث التقيد ببعض الإلتزامات، لذلك لا أستطيع تقديم تفاصيل دقيقة إلا من خلال بحوث علمية رسمية تنشر على مجلات بعينها أو كتب ذات حقوق علمية تعود لمؤلفها الباحث أو حتى من خلال مشاريع تطبيقية مدعومة من جهات تحترم الجانب العلمي في الصناعة المسرحية. كل ما أستطيع التصريح به حالياً هو أن المشروع يتماشى مع خطى الشرق الأقصى في صناعة العرض ولكن بهوية الجانب الأخر من العالم أي دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط إنطلاقاً من ممارسات طقوسية محلية.
هل هناك عروض تطبيقية في الأفق تتماشى مع الجانب البحثي في المستقبل؟
أكيد، طبعاً هناك خطط عديدة لبناء عروض مختلفة تنتمي إلى هذا التوجه، ولكني كمخرج يحترم وجهات نظرته الإبداعية لن أرضى إلا بالظروف المناسبة للقيام بأي مشروع من المشاريع المسطرة .. إضافة إلى توظيف الطاقات الحقيقية التي قد تضيف للعرض في مختلف جوانبه.
في كلمة أخيرة، ما رأيك في مسار القطاع الثقافي في الجزائر اليوم؟
من وجهة نظري، التطوير التنموي في المجال الثقافي مرهون بالإرتقاء من توليفة “الخبز والرقص” في الذهنية المحلية إلى مفهوم “الثقافة الإقتصادية”. القطاع الذي لا يضخ أموال للخزينة الخاصة قبل العامة هو قطاع عاجز مثله مثل أي عضو مريض في جسم الإنسان. وبناءاً على القاعدة العلمية، الأعضاء التي لا تعمل في أجسادنا تضمر وتتحلل .. كذلك هو الحال في مختلف ميادين الثقافة اليوم. للأسف، القطاع الثقافي يستنزف نفسه منذ سنوات دون أي خطة حقيقية للإستثمار أو التنسيق مع القطاعات الأخرى على الأقل .. من باب التخصص أرى أن المسارح الجزائرية هي المنظومة المؤسساتية الوحيدة التي تدفع أجور لعمال مقابل إنتاج غير إستثماري. وخير دليل، مفارقة سعر تذاكر العروض التي لا تتجاوز الـ 200 دينار والصالات فارغة، بينما تتعدى تذاكر المسارح العالمية سقف الـ 1000 دولار أحياناً مع غزارة لا تصدق في الحضور الجماهيري .. إذا كان القطاع شكلي لا يخدم إلا المظهر السياسي العام فمن المستحس إعادة النظر في كل تفاصيله.