في تصريحات حصرية لجريدة الجالية الجزائرية، يستعرض عدد من كفاءات الجزائر بالخارج رؤية يطرحونها على الحكومة والمعنيين في الداخل فيما يخص مسعى التواصل مع الكفاءات الوطنية في الخارج ومحاولة إشراكهم في التنمية الوطنية. الجالية الجزائرية تنقل تصريحات ورؤية هؤلاء الكفاءات، أيام الجمعة، وذلك على ضوء اتصالات ولقاءات تجمعها بهم حول المسعى.
البداية ستكون، في هذا العدد، مع عبد القادر نصر الدين بلقاسم، استاذ جامعي وباحث شاب مبتكر في مجال الذكاء الاصطناعي وواجهة الدماغ الحاسوبية، حاصل على دكتوراه من قبل أحد أفضل 100 جامعة بالعالم، “معهد طوكيو للتكنولوجيا”باليابان، حاليا يشغل منصب أستاذ بجامعة الإمارات العربية المتحدة وباحث زائر بجامعة أوساكا باليابان، حصل سنة 2016 على جائزة كبار المخترعين في العالم، جائزة “إم أي تي” تكنولوجي ريفيو للمبتكرين دون سن الـ 35… وفي مستهل رؤية يطرحها عبر جريدة الجالية الجزائرية، يقول الأستاذ الباحث عبد القادر نصرالدين بلقاسم أن “الجالية الجزائرية (بما فيها الكفاءات) جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والتاريخي والسياسي للوطن”، وأنّ “لا أحد يمكنه أن يُزايد على وطنيتهم وولاءهم ومواقفهم الإنسانية، رغم تجنس أغلبهم بجنسيات أخرى من أجل تسهيل معاملاتهم الإدارية”.
ضرورة تكثيف جهود الشراكة بين الجزائريين بالخارج والداخل
ومنه يضيف ” لهذا وجب تكثيف جهود الشراكة بين الجزائريين المتواجدين بالخارج ومن هم متواجدين بالداخل أكثر فأكثر، وهنا يتجسد عمل الحكومة”، فيما يرى أن “الحكومة الجزائرية تحتاج للنهوض بالاقتصاد وإنعاشه أولا قبل التفكير في استقطاب جميع الكفاءات التي تعمل بالخارج، بمعنى أنّ الجزائر تحتاج حقّا لجميع كفاءاتها بالداخل والخارج للعمل معا من أجل الخروج من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد المعرفة”. وهنا يرى أنه “من الواجب أن يحدث الاستقطاب تدريجيا، فمثلا جلب الخبراء الاقتصاديين والمهندسين والحرفيين يكون من بين الأولويات، ثم يلي ذلك الدكاترة والعلماء، فالحكومة الجزائرية والأجيال الصاعدة تحتاج إلى اعتماد رؤية واضحة لعشرين أو خمسين سنة، وذلك يعتمد بالدرجة الأولى على طرح آليات عملية واقعية لتنفيذ المخططات الاستشرافية”. ويؤكد على “ضرورة تسليط الضوء على النزهاء الأكفاء بالخارج، خاصة الشباب منهم، في كل تخصص لتعزيز أهمية الكفاءات المتواجدة بالخارج ودورها المستعجل في بناء الجزائر الجديدة، وهذا ما لمسناه في كل خطابات السيد الرئيس مؤخرا”، مضيفا أنه “من باب رد الجميل، فواجب المغتربين الذين هاجروا الجزائر بعد حصولهم على منحة دراسية من طرف الدولة الجزائرية، خاصة الشباب منهم، تقديم خدماتهم تطوعا في ظل احتياج الدولة لجميع الجهود المتضافرة”.
استحداث فضاء للكفاءات لتقديم خطة مشتركة للتنمية
أما بخصوص أهم آليات استقطاب الكفاءات والمواهب المتواجدة بالخارج، فيقترح الأستاذ الباحث بلقاسم”استحداث فضاء تفاعليا جامعا للكفاءات الجزائرية عبر الإنترنت أولا، وتعزيز التقاءهم فيما بينهم للعمل معا للخروج بحلول إستراتيجية ومشاريع تنموية للتسريع بالمستقبل الرقمي واقتصاد المعرفة”. كما يقترح صناعة قاعدة بيانات تضم جميع الكفاءات والمواهب الجزائرية وإنزال الجالية الجزائرية منزلتها، وذلك بـ “اعتماد معايير عالمية دقيقة لتصنيف الكفاءات والخبراء الجزائريين، حسب الشهادة العلمية والمهارات والإنجازات، وحسب رغبتهم في العودة نهائيا للجزائر أو المساهمة عن بعد في خدمة الوطن ونقل خبراتهم العالمية”. ويقترح أيضا”تنظيم فعاليات وورشات عمل ومؤتمرات ومحاضرات ودورات تكوينية، منها ما هو موجه للباحثين والمهندسين الشباب المتفوقين بالخارج لنقل التكنولوجيات الحديثة والمعرفة التقنية”، زيادة على “إدراج الكفاءات والمواهب الجزائرية في كل مشروع وطني أو مجلس علمي أو جامعة أو مركز بحث”، بل ويقترح أيضا “إدراجهم حسب تخصصهم في السياسة والمناصب المهمة للمساهمة بآرائهم أو ببحوثهم وأفكارهم”، وأيضا “إطلاق مشاريع صناعية أو فلاحية أو أكاديمية، مع اشتراط شراكة بين الجزائريين بالداخل والخارج لتشجيع الجميع على بناء الوطن وتبادل المعرفة ونقل الخبرات العالمية”.
بناء مجتمع تكنوقراطي وتشجيع فتح شركات ناشئة للمغتربين بالجزائر
وفي مقترحاته، يرافع الأستاذ الباحث بلقاسم لضرورة “إدراج النخبة من الكفاءات بالخارج في البرلمان أو مجلس الأمة، مع اشتراط الجنسية الجزائرية في المجالات السياسية والعسكرية فقط للذهاب نحو دولة ومجتمع تكنوقراطي فعّال”، وكذا “تشجيع الكفاءات بالخارج على فتح شركات ناشئة تخدم نقائص السوق الجزائرية بصفة خاصة، مع تقديم تسهيلات إدارية لتخفيف البيروقراطية، وذلك باعتماد نظام الرقمنة من أجل إرسال كل الأوراق الإدارية”. كما يقترح “تشجيع الكفاءات ورجال الأعمال بالخارج على فتح نوادي علمية وتقنية وثقافية، وتشجيعهم على إنشاء جمعيات خيريةوغيرها، وحتى بناء مستشفيات أو مخابر لتطوير البحث العلمي”، زيادة على “استحداث جوائز وطنية لكل الفئات العمرية لتكريم الكفاءات والمواهب الجزائرية المتواجدة بالخارج على إنجازاتهم العالمية والوطنية”.
استحداث هيئة حكومية لمرافقة الأدمغة
ولتحفيز الكفاءات بالخارج على القدوم إلى الجزائر، يقترح الأستاذ الباحث بلقاسم”دراسة الاحتياجات ﺍﻟﻔﺭﺩﻴﺔ للكفاءات المتواجدة بالخارج من أجل توفير لها البيئة والمنصب الملائم داخل الوطن، مما قد ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﺨﻔﻴﺾ ﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍلخاﺻﺔ بجلب الخبراء الأجانب”. كما يقترح مسألة “العمل على توفير هيئة حكومية لمرافقة الأدمغة العائدة إلى الوطن وتأهيلها للانخراط السريع في بناء الوطن والاستفادة من خبراتها العالمية”. وفي ختام مقترحاته، يتأسف الأستاذ الباحث عبد القادر نصر الدين بلقاسم لمسألة أن “الحكومات السابقة لم تكن تسأل الخبراء بالخارج النصائح والاستشارات من باب العمل بها، بل فقط من أجل البروباغندا السياسية”، فيما يتمنى أن “تركز الحكومة الجديدة على تنفيذ أفكار الخبراء والمقترحات الجماعية بحذافيرها، وتعمل على نشر ثقافة تقديس العلم والعمل لإرجاع الثقة المفقودة بين المسؤولين وبين الكفاءات بصفة خاصة والشعب بصفة عامة”.
فريدة تشامقجي