في تصريحات حصرية لجريدة الجالية الجزائرية، يستعرض عدد من كفاءات الجزائر بالخارج رؤية يطرحونها على الحكومة والمعنيين في الداخل فيما يخص مسعى التواصل مع الكفاءات الوطنية في الخارج ومحاولة إشراكهم في التنمية الوطنية. الجالية الجزائرية تنقل تصريحات ورؤية هؤلاء الكفاءات، أيام الجمعة، وذلك على ضوء اتصالات ولقاءات تجمعها بهم حول المسعى.
في عدد اليوم، نعرض رؤية البروفيسور صالح ناصري، 49 سنة، عالم جزائري في الفيزياء النظرية، حاصل على شهادة الدكتوراه في فيزياء الجسيمات الأولية سنة 2003 من جامعة سيراكيوز الأمريكية، يتنوع إنتاجه العلمي بين مجالات فيزياء الجسيمات وعلاقتها بعلم الكون والفيزياء الفلكية، قدم مساهمات في فهم طبيعة النيوترينوات (Neutrinos) ومعضلة المادة المظلمة (Dark matter)، ومن بين إنجازاته المعروفة دوليا اقتراح آلية لكتل النيوترينو والمادة المظلمة…
يجب أن تكون لدى أصحاب القرار رؤية واضحة في استغلال خبرة الكفاءات
وفي رؤية يطرحها عبر جريدة الجالية الجزائرية، يقول البروفيسور صالح ناصري أنه “من بين الآليات لاستقطاب الكفاءات في الخارج، يجب أن تكون هناك رؤية واضحة لأصحاب القرار في الداخل فيما يتعلق باستغلال خبرة الكفاءات، كما يجب أن تصحب هذه الرؤية نية تامة في العمل معهم على كل المستويات”. ويضيف “ليكون هذا جليا، يجب البدء في مبادرات تُرغب هذه الكفاءات في المساهمة في تطوير البلاد، وعلى سبيل المثال يجب دعوة هذه النخب وتكريمهم والإشادة بأعمالهم من خلال مؤتمرات تنظم من أجلهم، ثم تغتنم الفرصة في هذه اللقاءات للكشف عن بعض الأبحاث المهمة ومناقشتها مع أصحابها والنظر في إمكانية الاستفادة منها على ارض الوطن”.
اعتماد مراكز خاصة لتكوين الطلبة المتميزين بمختلف التخصصات
ومن بين الطرق الفعالة التي قد تعتمد خلال إشراك الكفاءات المتواجدة في الخارج، يقترح البروفيسور ناصري “إنشاء مراكز التميز (Centre d’excellence) لتكوين طلبة في شتى الاختصاصات ولكن على مستوى راق وعالمي”، حيث يرى أنه “هنا يتم اختيار طلبة متميزين خاصة في العلوم الأساسية عن طريق مسابقة وطنية عالية المستوى تعكس الكفاءة والقدرة الفكرية للناجحين فيها”. ليضيف “أما فيما يتعلق بالأساتذة الساهرين على هذه المراكز، فمن المفترض أن يتم اختيارهم حسب المعايير العالمية قياسا بجودة البحوث العلمية التي يقومونها وأماكن نشرها (المجلات المحكمة)”. ويوضح بالقول “في هذا الصدد سيشارك الأساتذة والباحثين الجزائريين المتواجدين بالمهجر في تأطير هؤلاء الطلبة المتميزين وإعطائهم فرصة المشاركة ببرامجهم (الطلبة) في ملتقيات دولية تكون فيها مراكز التميز قد تكفلت بمصاريف هذه المداخلات”. ويضيف قائلا “على هذه المراكز أيضا أن توفر دعما ماديا للطلبة، بحيث يتسنى لهم القيام بزيارات أكاديمية لمؤطريهم في الخارج”، و”يمكن أن يكون تمويل مراكز التميز هذه من طرف الدولة ومساهمات رجال الأعمال بالداخل والخارج وحتى التبرعات الفردية، لتشجيع فكرة تضافر جهود الجميع في تطوير العلم والتكنولوجيا”.
ملتقيات لكفاءات الداخل والخارج لتقييم المشاريع المسطرة بدقة
ويقول البروفيسور أنه لكي لا تتكرر مشكلة عودة العديد من الكفاءات إلى مراكز عملهم في الخارج مجدّدا بعد دخولهم أرض الوطن بنيّة المساهمة لكن بدون برامج محددة، “من الأفضل استغلال خبراتهم من الخارج أوّلا، لكي تُثبت قدرتهم على العمل مع نظرائهم في الداخل”. ويضيف أنه وللاستفادة بطريقة حقيقية من هذه النخب “يجب تحديد المشاريع التي يُراد العمل عليها بصورة واضحة ودقيقة، ثم تحديد آجال لإتمامها وهو الأهم، ثمّ يُحضّر لملتقيات خلال فترات يجتمع فيها الجانبين، من الخارج والداخل، لكي يتمّ فيها تقييم تطور تلك المشاريع”. ويوضح أن “هذه الآلية، بالإضافة إلى فائدتها على المستوى التطبيقي للمشاريع المرادة، ستعمل على بثّ الثقة بين الجانبين، وبذلك ستمهّد للعودة الكلية للنخبة، إن أمكن ذلك، ومواصلة العمل بالداخل بدون أدنى صعوبات”. ويضيف ” وأما عن المشاريع المذكورة فمن المستحسن أن تكون بسيطة في البداية مع التركيز على متابعتها كما ذكرنا سلفا حتّى إتمامها”.
إشراك الجامعة والطلبة المتميزيون في تطوير المشاريع
ويعتبر البروفيسور أنه “من الأفضل أن تستأنف هذه المشاريع على مستوى الجامعة، وخاصة مراكز التميز، لكي تكون منبع تحفيز للطلبة من خلال مشاركتهم في تطويرها”. ويضيف “على سبيل المثال لا الحصر، قد تنظم ورشات حول الطاقة الشمسية ودراسة إمكانية تحضير الطاقة اللازمة لتسيير ،مثلا، قرية على أرض الواقع”، معتبرا أن “هذا المشروع يمكن أن يقسم إلى عدة مراحل، من بينها تركيب الألواح الشمسية،…الخ”. ويوضح قائلا “هذه المراحل التي تسبق إتمام المشروع بصفة كاملة سوف تلعب دورا مهما في تطوير مستوى الطلبة والأساتذة الباحثين في الداخل، بالإضافة إلى الاستفادة منها على أرض الواقع”.
مشاركة الكفاءات بالخارج ضرورية خاصة في العلوم المتقدمة
ويضيف البروفيسور أنه “من بين الأمثلة الأخرى، فكرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ولو ببرامج افتراضية كبداية، والتي تكون حافزا للطلبة في اختيار ومواصلة أبحاثهم على المستوى الدولي”. ويشرح قائلا “هنا نذكر من جديد أن مشاركة الكفاءات بالخارج ضرورية للغاية، خاصة فيما يتعلق بالعلوم المتقدمة كالتي ذكرناها أنفا”.
اعتماد أكاديمية للعلوم والتكنولوجيا كشريك أساسي للحكومة
ويطرح البروفيسور إنشاء “الأكاديمية الوطنية للعلوم والتكنولوجيا”، ويقترح أن تضم هذه الأكاديمية “نخبة من الباحثين الجزائريين الموجودين داخل وخارج الوطن في مختلف مجالات العلوم الأساسية والتطبيقية والتقنية”، كما يقترح أن “يتم اختيار نخبة الباحثين حسب المعايير العالمية (بحوث منشورة في أرقى المجلات في كل تخصص، قيمة المعيارH, citations, ect). ويعتبر موضحا أن هذه الأكاديمية “تكون الشريك الأساسي للحكومة في اقتراح أو مناقشة المشاريع العلمية والتكنولوجية والتنموية”.
فريدة تشامقجي