في تصريحات حصرية لجريدة الجالية الجزائرية، يستعرض عدد من كفاءات الجزائر بالخارج رؤية يطرحونها على الحكومة والمعنيين في الداخل فيما يخص مسعى التواصل مع الكفاءات الوطنية في الخارج ومحاولة إشراكهم في التنمية الوطنية. الجالية الجزائرية تنقل تصريحات ورؤية هؤلاء الكفاءات، أيام الجمعة، وذلك على ضوء اتصالات ولقاءات تجمعها بهم حول المسعى.
في عدد اليوم، نعرض رؤية الدكتور الحاج بن خليفة، جزائري يعتبر بروفيسور في علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في جامعة ستافوردشر في بريطانيا، رئيس هيئة البروفيسورات (Professoriate) على مستوى الجامعة، تدرج في مشواره العلمي والمهني في العديد من الجامعات البريطانية المرموقة عالميا، لديه مهام وأدوار كبيرة مع عدة جهات في مجال اختصاصه… وفي مستهل رؤية يطرحها، عبر جريدة الجالية الجزائرية، يقول البروفيسور الحاج بن خليفة أن “استقطاب الكفاءات الجزائرية المقيمة في المهجر ليس بالموضوع الجديد، لكنه يتجدد مع كل عهدة رئاسية أو حكومة جديده”، وأن” الأمر ليس هو بالصعب ولا هو بالسهل كذلك، فليس بالسهل وصعوبته تكمن في إيجاد الكفاءات المناسبه للوظائف المحددة، وليس بالصعب لأن موضوع إستقطاب الكفاءات متعارف عليه عالميا له مبادؤه وقواعده التي يعرفها العام والخاص”.
الواقعية في إشراك الكفاءات بالخارج في التنمية الوطنية
ويرى البروفيسور أن ”المبادئ والقواعد هي نفسها، بغض أنه بغض النظر عما إذا كان المستقطب جزائريا أم غير جزائري”، و”أعني أنه علينا معالجة لب المشكلة وليس أعراضها، إذ يجب أن نكون أكثر تقنيه وأكثر واقعيه حتى تكون آليات استقطاب الكفاءات الجزائرية مجدية وفعالة للدفع بعجلة التنمية وركوب درب التقدم”. ويضيف قائلا ” لهذا قد يجد البعض طرحي في هذه المسألة غريبا، ولكني أؤمن أنه الحل الموضوعي والعلمي لهذه القضية التي لطالما أرهقت الكثير منا، حكومة وكفاءات وطنية”. وهنا يوضح المصدر أنه ” لا يمكننا أن ننفي إشكال فقدان الثقة المتبادل بين الكفاءات في المهجر والسلطات أو المؤسسات الجزائرية، فكيف يتم استقطاب هذه الكفاءات أو إشراكها في التنمية الوطنية في حين أن هده الثقة غير موجودة؟. ومن هدا المنطلق، يقول أنه يطرح اختصارا ” بعض الآليات التي من شأنها أن تساعد في استقطاب فعال وإشراك مستدام للكفاءات الجزائرية في المهجر”.
جلب كفاءاتنا بالخارج يحتاج لرؤية شاملة وخطة مستقبلية
وفي هدا الإطار، يضيف البروفيسور أنه كما أشار إليه في المقدمة، فإن ” أول آلية لتفعيل الاستقطاب هو أن تكون هناك إستراتيجية محكمة ومعتمدة لتأطير العملية”، وأن ”هذه الإستراتيجية تكون مبنية على رؤية شاملة وتخطيط مستقبلي بأولويات واضحة، حيث تحدد فيها برامج توظيف محددة وتحدد فيها الكفاءات اللازمة لشغل هذه الوظائف”. وهنا يلح على أن عملية الاستقطاب ”يجب أن تكون شفافة تتكافئ فيها الفرص ويجب أن تقوم على التنافسية”. ويضيف قائلا أنه علينا أنه ”علينا أن نتجنب ما هو متعارف عليه عندنا في الجزائر، ‘المعريفة’ والوساطة في جلب الكفاءات، بما يضمن حظوظ للكفاءات في الداخل والخارج، ويرفع الحساسيات والتفرقة والتي هي من عناصر فشل بعض الجهود لاستقطاب الجالية في المهجر”.
استقطاب الكفاءات مهمة كل القطاعات والمؤسسات
ويتابع البروفيسور متسائلا ”ثم لماذا نعتقد أن عملية الاستقطاب واقعة على عاتق الحكومه، برؤية فوقية؟ ولماذا لا تفتح العملية على كل المؤسسات، الخاصة منها والعمومية، وتكون العملية بالتالي من ضمن مهام الموارد البشرية للمؤسسة بحد ذاتها وبرؤية تصاعدية؟ ”. ويقول أنه ”وبالنسبة للمشاريع، بنفس الأسلوب، يجب أن تفتح على الجميع وتدار بكل شفافية وبمعايير واضحة تكون فيها للكفاءة النصيب الأوفر ”.
الدبلوماسية عليها أن تلعب دورها في إدماج الجالية في التنمية الوطنية
وهنا يقول البروفيسور أنه بوده أن يتوقف عند ”دور الدبلوماسية الجزائرية في الخارج في ما يخص إدماج الجالية في المهجر و تعريفهم بفرص التوظيف والمشاريع في الجزائر عن طريق ورشات عمل ومواقع إلكترونية ”، معتبرا أن مسألة ”تنظيم الكفاءات في المهجر وإدماجهم هو نصف الحل لتفعيل الاستقطاب ”، حيث يرى أن ”هذا هو دور السفارات والقنصليات في الخارج بالتنسيق مع الوزارات المعنية”.
ضرورة تواصل الكفاءات الوطنية بالداخل والخارج
ويطرح البروفيسور ضرورة ”توطيد العلاقة وبناء جسور التعاون بين الكفاءات الجزائرية في الداخل وفي المهجر”، حيث يرى أنه ”ومن بين الآليات لتحقيق هذا الهدف المهم، إقامة مؤتمرات وورشات عمل، أين يتم تباحث فرص التعاون وتجسيد المشاريع التشاركية ”. ومن موقعه كأكاديمي في مجال علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في جامعة ستافوردشر البريطانية، فإن البروفيسور بن خليفة على تواصل دائم مع العديد من الكفاءات الوطنية داخل الجزائر، خصوصا في ما يتعلق بمجالات البحث والإشراف على مشاريع تخرج دكتوراه واستشارات علمية وعملية، كما أنه استقبل العديد من الأساتذة والطلبة الباحثين من الجزائر في الجامعات البريطانية التي عمل بها. وبهدا الخصوص، يقول البرفيسور أن ”هذه العلاقات هي نتيجة مداخلاتي في عدة مؤتمرات وندوات في الجزائر ”. ويضيف أنه ”يمكن لهذه الآلية أن تكون مؤطرة من طرف جهات حكومية، أو عن طريق مبادرات إستباقية، فردية كانت أم جماعية ”، وأنه ”يمكن لهذه الآلية أن تكون مؤطرة من طرف جهات حكومية، أو عن طريق مبادرات إستباقية، فردية كانت أم جماعية ”، معتبرا أنه ”يمكن لهذه العلاقات أن تفتح آفاق واسعة ومشاريع وطنية، وبهذه الطريقة يتم إدماج هذه الكفاءات المقيمة في المهجر بطريقة غير مباشرة وبإرادة ذاتية”.
يجب مراعاة طموحات الكفاءات بالخارج في عملية استقطابها
وتصحيحا لبعض المفاهيم، يقول البروفيسور “إن كنا نريد توسيع نطاق الإستقطاب على المدى البعيد وبطريقة إستراتيجية، يجب علينا كذلك التوقف عن الخلط أو الربط بين الوطنية وعملية إستقطاب الكفاءات من المهجر “. ويوضح قائلا “علينا أن نتفهم أن هذه الكفاءة، غالبا، في بحث متواصل عن فرص تتماشى مع طموحاتهم المهنية وكذلك الحياتية، ولا ينبغي لنا أن نتجاهل هذا الأمر ونتوقع هرولة هذه الكفاءات من باب الوطنية فقط”. ويؤكد في هذا السياق “نعم الوطن في قلوب كل الجالية في المهجر، وهي مستعدة للمساهمة في بناء وتشييد الجزائر الجديدة المتجددة، ولكن من غير تحفيزات، مهنية أو مادية وأخرى خاصة باختيارات الفرد، سيصعب الإستقطاب أو يكون مؤقتا “. وفيما يخص المستثمرين من الكفاءات في الخارج، يبين قائلا أنه “بغض النظر عن مشاكل الإستثمار في الجزائر والتي نعلمها جميعا، لكن في الأخير المستثمر يبحث عن الربح مع ظروف مهيأة للإستثمار”. وهنا يؤكد على “ضرورة فتح الفرص وتأكيد الشفافية مع مراجعة شروط الإستثمار، بما في ذلك تقليص البيروقراطية عن طريق رقمنة القطاع “. وشدّد في هذا المقام على دور السفارات الجزائرية والوزارات المعنية في إنتعاش مشاركة المستثمرين من الجالية الجزائرية في بناء الإقتصاد الوطني، قائلا “ليس فقط بالإستثمار، ولكن كذلك بتفعيل علاقاتهم الخارجية العالمية والتي من شأنها جلب إستثمارات وشراكات أجنبية “. واقترح قائلا أن “تنظيم ندوات داخل وخارج الجزائر للتحادث مع هؤلاء المستثمرين الجزائريين المحتملين قد يقرب المفاهيم ويختزل الصعوبات لاستشمارات ناجحة ومستدامة تحركها طاقات جزائرية متمكنة بخبرات عالمية لطالما أرادت أن تسهم في بناء الإقتصاد الجزائري”.
يمكن إشراك الكفاءات عن بعد ومن بلدان إقامتهم
يواصل البروفيسور بن خليفة موضحا أنه “إذا صعب جذب الكفاءات من الخارج، فإشراكها عن بعد قد يكون بنفس الأهمية وبنفس الآليات السابق ذكرها”، مضيفا “تكون هذه المشاركة تطوعية أو عن طريق عقود مهنية، وإن كانت تطوعية يجب أن تبقى الكفاءة والتنافسية هي المعايير المشروطة للتعاون”. ويرى أن “للكفاءات الجزائرية في المهجر دور مهم في تفعيل التعاون والمساهمة في التنمية الوطنية، رغبة منها وبصدق نية، وذلك بمبادراتهم الاستباقية الفردية و الجماعية”. وأعطى مثالا حيا على تضافر جهود هذه الكفاءات لفائدة الجزائر خلال مرحلة وباء كورونا، قائلا “برهن الكثير من الكفاءات الجزائرية بالخارج، إلى جانب زملائهم بالداخل، على تكافلهم فأبدعو عن طريق مخيمات إفتراضية ومحاضرات علمية تطبيقية ومهنية عن بعد بمشاركة علماء وأكفاء جزائريين وأجانب في فائدة شرائح متعددة في الجزائر، لاسيما منها طلبة الجامعات، أكاديميون وباحثون، أرباب الأعمال والسياسيون، والعمل لازال مستمرا”. ويضيف مثمّنا مواقف الجزائريين التضامنية في الأزمات، منوها كذلك بالقول أن “المطلوب هو دوام هذه المبادرات وغيرها في غير الأزمات كذلك، وهنا علينا أن نراجع الآليات السابق ذكرها لإشراك حقيقي ومستدام للكفاءات الجزائرية المهاجرة في المخطط الوطني للتنمية”.
على الكفاءات أن تبتعد عن الانتهازية والطمع الزائد
ويقول البروفيسور “وأرجو أن لا يعاتبني زملائي إن قلت علينا كذلك أن نقلع عن الإنتهازية ككفاءات جزائرية ونبتعد عن الطمع الزائد في وطننا والمغالات في المطالب، إذا ما استدعينا للمساهمة في التنمية الوطنية”. ويضيف متأسفا “البعض من الكفاءات الجزائرية تسعى فقط لمصالحها الخاصه، والمجحفة بعض الأحيان، في مقابل خدمة للبلد، يطلبون تحفيزات ربما ولا يجدونها في البلدان التي يقيمون فيها، كالمنصب الرفيع أو السكن المجاني والسيارة الفاخرة والراتب السخي وكذا دعم الدولة في المشاريع”. ويوضح قائلا “البعض بالطبع يراها تحفيزات، وأنا أراها مبالغة، لأننا نعرف كم عليك أن تجدّ وتكلّ لتنجح في بلاد المهجر وبمرتبات منطقية”. وينصح في هذا المقام بالقول “كلنا نعلم ما على الجزائر وما لها، فليس من اللائق استغلال الفرص بإنتهازية، وصدق النية واجب تمليه علينا وطنيتنا”.
الكفاءات بالخارج لا تعلو على مثيلاتها بالداخل وتكافؤ الفرص ضروري
وأشار البروفيسور بن خليفة إلى عنصر التمييز المباشر وغير المباشر بين الكفاءات في الداخل والخارج، وقال “قد يحدث بعض الحساسيات التي قد تعطل عملية الإستقطاب للكفاءات المقيمة بالخارج، حيث لا يصح أن نهمش الكفاءات الداخلية ونمجد الأخرى لا لشيئ إلا أنها بالخارج”. وأضاف “من حق الكفاءات في الداخل أن تعترض أي طلب بتخصيص إمتيازات وتحفيزات للكفاءات الجزائرية بالخارج على خلاف الكفاءات الداخلية”. وبين في هذه النقطة الحساسة أّن “هذا الإعتراض هو ضد آلية الإستقطاب وليس ضد التخفيزات، كما أوضحت سالفا، على الآلية أن تشمل كل الكفاءات الداخلية منها والخارجية، وأن تكون الفرص متكافئة وتنافسية، وهذا هو حل هذه الحساسية”.
أقترح مشروع المؤسسة الجزائرية للتطوير والتنمية المستدامة
و بخصوص بلورة الآليات المقترحة أعلاه، أضاف المصدر “أود ونيابة عن بعض الشركاء، أن أطرح مشروعا من شأنه أن يكون آلية شاملة لإستقطاب الكفاءات الجزائرية في المهجر، وهو إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة تحت إشراف رئاسة الجمهورية”. وتابع قائلا “هذه المؤسسة تُعنى بتجسيد الأولويات ومتابعة البرامج والمشاريع، متعاونة في ذلك مع الحكومة ووزاراتها وكذا القطاع الخاص والجامعات ومراكز البحث العلمي”. وعن دور هذه المؤسسة، قال “تقوم هذه المؤسسة على مبادئ علمية بحثية تدرس فيها الإستراتجات وتطبق فيها الحلول التي تنعكس إيجابا على واقعنا المعاش في كل المجالات، وتكون هذه المؤسسة مستقطبا رئيسيا للكفاءات الجزائرية عبر العالم بتحفيزات خاصة لكن مفتوحة على العالم كله”.
الجزائر لها مستقبل واعد بتكاثف الكفاءات في الداخل والخارج
وفي الأخير، وبنظرة إيجابية يختم البروفيسور قائلا “أنا أرى أملا واعدا للجزائر و الجزائريين، ومستقبلا أفضل يبنى بسواعد جزائرية مخلصة وتكافل كل الكفاءات في الداخل والخارج”. ليضيف أنه “لتحقيق هذا الأمل، وفي سياق استقطاب وإشراك الكفاءات الجزائرية المهاجرة، علينا بمعالجة اللب وليس قشرته، وعلينا بوضع آليات منطقية وعلمية ذكرت بعضها في هذا المقال وأخرى يتم تحديدها وتجسيدها من خلال إشراك هذه الكفاءات في مشاورات متواصلة لتقليص الفجوات وتقريب المفاهيم”.
فريدة تشامقجي